يوميات معلم: الجزء العاشر...كرم الضيافة وقساوة العيش


بقلم :زكرياء لوكيلي
الساعة تشير إلى العاشرة بالتوقيت الصيفي لمملكة الرياح،صوت المذياع أيقظني على نغمات موسيقية عذبة من الزمن الجميل،لا شيء يؤنسني في وحدتي ويلغي هذا الصمت المطبق الذي يحيط بي سوى مذياع اقترضته من صديقي الممرض،إنه وسيلة اتصالي الوحيدة بالعالم الخارجي....محبوس هنا في سجن موسع يشبه محميات الحيوانات لكن بدون سياج!! روتين قاتل،لاشيء هنا يغري بالبقاء، لا أدري مالذي يبقي الناس هنا ؟ تذكرت أحدهم شاركني طريق المجيء إلى تالسينت،تجاذبنا أطراف الحديث،قال لي بالحرف الواحد:والله أخويا وخا يعطيوني 200 درهم لنهار نبقى هنا وماندير والو و الله مانزيد دقيقة هههه،كلامه صائب إلى حد ما فلا شيء هنا سوى البوس و الفقر و التهميش....كنت كثير التجوال في محيط القرية أراقب الداخل إليها و الخارج منها،كنت أرى نساء القرية البئيسات، فأقول لنفسي أين تلك العجائز القبيحات ممن يدافعن عن حقوق المرأة، مما تعانيه النساء في هذا العالم البئيس،إنه عالم ذكوري بامتياز تعتبر فيه المرأة أقل درجة من البهيمة !!!! فأغلب العمل الشاق من جلب الماء و قطع الحطب و غيره يكون من نصيب المرأة !!! المرأة هنا لا تساوي فلسا واحدا للأسف....
تذهب بي الذاكرة لبيت شيخ القبيلة،لبينا دعوة للعشاء رفقة الإمام كما العادة،بيت يوحي أن صاحبه شخص مهم،جدران مزركشة برسومات مضحكة،-حمار،دجاجة،تيس...- هههه دخلنا غرفة مليئة بالمدعوين،ألقينا التحية و انزوينا إلى ركن من أركان الغرفة،...العادة هناك تقديم الشاي والفول السوداني مع بسكويت موحد في القرية، إنه بسكويت "البوغاز"...،تحولت معدتي إلى قربة ماء من كثرة كؤوس الشاي التي شربنها....لفت انتباهي جدار الغرفة التي جلسنا فيها!! الجدار مليء بصور معلقة للملكين الراحلين المغفور لهما محمد الخامس و الحسن الثاني!! صور من يومية "البوعيادي" !! إن الوطنية هنا لو وزعتها على أبناء الوطن لكفتهم كلهم،فرغم قساوة الظروف التي يعيش فيها هؤلاء فإنهم أوفياء للوطن...،دخل علينا رجل فجأة برغيف خبز فبدأ المدعوون بأخد جزء من الرغيف...وصل دوري أخذت قطعة أنا أيضا بدأت أكلها،فأشار إلي الإمام بالتريث !!! توقفت،فعاد الرجل مرة أخرى يحمل بيده قطبان شواء....شواء"الدوارة"،أول مرة أذوق فيها "الدوارة" مشوية ههههه طعمها كالمطاط ، تعب فكي من المضغ دون جدوى ، هممت بإخراج تلك القطعة من فمي ،لم أستطع من شدة خجلي بسبب نظرات الحاظرين إلي،انتظرت قليلا حتى تأكدت ألا أحد ينظر إلي، أخرجتها أخيرا من فمي ثم وضعتها خلسة تحت حصيرة القش التي جلست عليها،لقد تعب فكي إلى الحد الذي جعلني و أنا أقرأ مع الإمام سورة الملك كعادتنا في مثل هذه الزيارات، أمزج بين الحروف و أتلعثم في القراءة كمن أصيب بشلل نصفي....استيقظت صباح اليوم الموالي و أنا لا أقدر على تحريك فكي بتاتا،هههههه لقد كانت تجربة لا تنسى.....

ليست هناك تعليقات